في مارس 2020، قمنا بنشر قائمة توصيات لتساعد المؤسسات الإعلامية على تقليص التأثيرات الوخيمة لأزمة فايروس كورونا -التي كانت وشيكةً في حينها- على سير أعمالهم. والآن، وبعد ثمانية أشهر غطست صناعة الاعلام العالمية خلالها تحت تسونامي اقتصادي، نشارككم بجملة جديدة من التوصيات لنلحقها بما سبقها.
في هذه المرة، فإن القائمة مبنية بشكل كامل على دروسٍ مستقاة من عملائنا في المؤسسات الإعلامية المستقلة وهم يسبرون أغوار هذه الازمة في دول مثل الإكوادور وجنوب أفريقيا والهند؛ حيث ترتسم وتستمد القائمة من خبراتهم واستراتيجياتهم لتساعد المؤسسات الإعلامية على الخلاص في خضم المرحلة الحالية من الوباء، والتي ارتأينا تسميتها اصطلاحاً “مرحلة إدارة الأزمة”، وتجهيز أنفسهم للواقع الجديد تباعاً.
اقتطع التكلفة؛ وكدَّس النقود
- كن مُتيقّظاً: إذا ما كنت في بلد تمكنتَ فيها من إدارة الموجة الأولى من الأزمة؛ فالموجة الثانية تلوح في الأفق. وإذا ما كنت في بلد ما زالت تكافح موجة أولى بلا هوادة؛ فلا توجد ضمانات بأن فسحة من الهدوء في انتظارك. في جميع الحالات، تحتاج المؤسسات الإعلامية للتحرك لما بعد المدى القصير لمرحلة “إدارة الأزمة”، والانتقال الى فترة مطولة من “التأقلم مع واقع جديد”.
- قم بمراجعة فاعلية مُحسِّنات التكلفة دورياً، فالأهم حالياً هو التدفق المالي ورأس المال العامل. حلل أداء كل وحدة عمل على حِدة مقارنةً بالتوقعات المبدئية، فتوَفُّر المعلومات بين يديك مع جميع التفاصيل ومؤشرات الأداء سيمكنك من التجاوب بشكل أسرع والإحاطة الفورية بما لا ينجح. تَحَدَّ كُلّ تكلفة: انظر لكل قسمٍ من الأقسام، سواء كان استثماراً أم عقداً أو قرضاً. اجتثاث التكلفة سيصبح عنصراً حساساً خلال 2021، إذْ تحاول الأسواق التعافي.
- خطط لأموالك بشكل حذِرٍ لكيلا تجدَ نفسك واقعاً في محنة أخرى عندما يحين وقت استرجاع المستقطعات المؤقتة. قم بتأجيل التعيينات الجديدة والمشاريع التي تلتهم رأس المال لتحافظ على النقود وتتجنب المخاطرات التي لا داعي لها.
- المصروفات الجديدة يجب أن تتماشى مع نقل التكلفة أو تقليلها في النواحي التي لا أولوية لها. حتى وإن كنت تتوقع بأن تُدِرَّ مصروفاتك الجديدة أرباحاً، استمر في معادلة التكاليف في النواحي الأخرى، فلا مجال للخطأ هنا، حيث أن جمع الواردات في وقتها سوف يبقى تحدياً لشيء من الوقت.
- ركِّز على لُبِّ مشروعك الذي تريد حمايته مهما كان الثمن، وخصّص الموارد بناء على ذلك. حدد المواهب البشرية التي لا تستطيع المضي قُدُماً بدونها وتحقق من ألا تخسرها.
- إذا تلقيت المِنَح والهِبات فكُن استراتيجياً في استخدامها لمعالجة تحديات مؤسستك. ركّز على المشاريع التي تمتلك مساراً واضحاً لإدرار الربح أو إدارة تكلفته، وذلك من أجل بناء مؤسسة أقوى عندما تتعافى الأسواق.
- وفرت العديد من الحكومات البرامج لتخفيف وطأة تقليل الرواتب وفقدان الوظائف، فتحقق من الاستفادة من هذه البرامج ما دامت لا تتعارض مع مصداقيتك الصحفية.
- تصرف بسرعة ومرونة: اتخاذ القرار والخفة؛ كلاهما مهمان. قرّر ما الذي يحتاج إلى قرار سريع وما الذي بإمكانه الانتظار، بحيث تتمكن من التركيز على الشأن الصحيح في التوقيت الصحيح. أعط الأولوية للقرارات التي بإمكانها إما أن توفر لك أكبر قدر ممكن من المال أو تزيد الأرباح لأقصى حدٍّ -فوراً-. ولا بدّ من التأكيد على أهمية جمع البيانات في وقتها المحدد وبشكل مستمر بحيث تكون في متناول يدك عندما تحتاجها لاتخاذ القرار سريعاً.
استمر في اقتناص الإيرادات
- لا تتوقف عن تجريب بدائل جديدة للإيرادات. وعلى سبيل المثال، فإن طرح الندوات عبر الإنترنت قد يكون خياراً جيّداً لَتجنِيَ جمهوراً أكبرَ وبتكلفة أقل من الفعاليات الحيّة الاعتيادية. وبإمكانك أيضاً أن تجرب إذا ما كان بإمكان وحدة من وحدات الأعمال في مؤسستك أن تقوم بإجراء استبانة ومن ثم تحليل وتسويق البيانات لعملائك. لا تكُن مُدافعاً عن الأساليب القديمة للُّعبة، فحتى أسوأ الأسواق قادرة على توفير فرصة للابتكار.
- خطط لكيفية تضخيم قاعدتك الجماهيرية من القُرّاء ولا تترك الأمر لمحض الصدفة. إذا كانت لديك اشتراكات، ركز على بنائها بطريقة تعوض بها عن هبوط الاعلانات. إن مجرد التركيز على هذا الجانب بحد ذاته قد يسهم في بناء غاية مشتركة للمؤسسة بأكملها، سواء تحريرياً أم مالياً.
- خذ بعين الاعتبار استراتيجية تسعير جديدة تحوي خدمات مثل الندوات عبر الانترنت او نشرات البريد التخصصية؛ فهذا قد يساعدك على اجتذاب عملاء جدد ووضع مؤسستك كشريك محتمل متعدد الخدمات ومُوفِّر للحلول.
- لا تُعِد اختراع العجلة! بعض عملاء الصندوق الاستثماري لتنمية الإعلام ووسائل الإعلام الأخرى قد توصلوا فعلاً إلى طرق مبتكرة وغير متوقعة من أجل خلق الأرباح والتي قد تكون وثيقة الصلة بعملياتك. اسعَ خلف هذه المعلومات لترى كيفية تطويعها بحيث تلبي احتياجاتك؛ فالوقت الحالي هو الوقت المثالي للتعاون المشترك بدلا من العمل وحيداً.
- حافظ على العلاقات القائمة مع المعلنين الحاليين وعملائك الآخرين حتى وإن لم تكن مُدرّة للأموال بشكل فوري، وبهذا تمهد لهم طريق العودة إليك مجدداً في المستقبل.
ويبقى المحتوى مَلِكـــاً
- أسهم الوباء في تعزيز الاهتمام العام بالصحافة عالية الجودة ووَفَرَ فرصةً لتفاعل أعمق من قِبَل الجمهور. ولتحقق الفائدة القصوى من محتواك المُتفرِّد وخدماتك الموجهة، فإنه من الضروري استخدام منصات الإصغاء وتحليل البيانات التفاعلية للجمهور. استثمر في تطوير اكتفائك الذاتي في مجال البيانات والمقدرة على إيصال المقاييس المستخدمة فيها لكافة أعضاء فريقك بشكل مفهوم.
- لماذا يستمر جمهورك في استهلاك محتواك؟ من المهم جداً تعريف مواطن القوة لديك والاستمرار في تطويرها. إذا حققت قفزة جماهيرية، فمن المهم فهم لماذا وكيف وصلوا إليك؛ لتتمكن من استحداث استراتيجية للحفاظ عليهم.
- ألق نظرة -مجدداً- على محتواك وكيفية عمل غرفة الاخبار: هل حان الوقت لإلغاء منتجات أو أقسام معينة لم تعد تخدم جمهورك؟ ما الذي يجعلك قيّماً في هذا المجال؟ هل تعطي الأولوية لخصائص ذات قيمة مضافة حقّاً بالنسبة إلى جمهورك؟ جرب وابتكر واختبر، فهذه الأزمة قد سرعت الحاجة لذلك؛ ولكن هذا لا يعني بأن تفعل شيئاً لمجرد أن أحد منافسيك قام به أو لأن ذلك سيثير إعجاب الصحفيين الآخرين. قرر وفقاً لمتطلبات مؤسستك أنت.
- فكّر في الحد من المحتوى المجاني المتعلق بفايروس كورونا ضمن استراتيجية توازن فيها بين ما تنتجه وما تشارك به. أبقِ على المعلومات الأساسية في متناول الجميع، ولكن خذ بعين الاعتبار إمكانية اشتراط الدفع للوصول لمزيد من المحتوى القيّم حول هذا الموضوع.
- إذا لم تكن قد قللت بالفعل من كمية المحتوى المتعلق بفايروس كورونا، فلربما حان الوقت لبدء العودة لسابق عهدك من المحتوى او استحداث مجالات جديدة. “كوفيد” ليس كل شيء. ألق نظرة على البيانات المتوفرة لديك لترى اهتمامات جمهورك واحتياجاتهم المتغيرة.
فريقك ليس مُحصّنــاً
- احرص على الشفافية مع موظفيك وعملائك وجمهورك: قم ببناء جسور التواصل والثقة؛ فالولاء أمر مُلِحّ في هذا التوقيت لاسيما مع الموظفين. كن على قدر من الانفتاح عندما يتعلق الأمر بالمشكلات، وافتح المجال للجميع من أجل الإسهام في إيجاد الحلول، ولكن لا بد أن يكون القرار النهائي بيدك أنت كقائد لهم.
- القيادة تبدأ من المقدمة: المدراء والتنفيذيون يجب أن يكونوا أول من يُقتطَع من رواتبهم وفوائدهم.
- إذ يستمر الوباء، يحتاج القادة لأن يأخذوا وقتهم مع الناس تقديراً لما كابدوه من استنزاف مواردهم وجرجرة طاقاتهم. اهتم بالأشخاص وتحدث إليهم بشكل دوري، عن طريق تحديد جدول مسبق للاجتماعات والالتزام به، فهذا يُبقي على ولائهم وروحهم المعنوية، ويسهم في دعم الجودة التحريرية باستمرارية الحوار بين المراسلين والمحررين. جرب أدوات رفع المعنويات مثل تخصيص “ساعة سعيدة” لاحتساء المشروبات سوياً عبر شبكة الانترنت.
- فكِّر في كيفية الاهتمام بموظفيك، وخذ بعين الاعتبار تقديم مبادرة دعمِ الزميل لزميله الآخر، أو برنامج دعمٍ للصحة النفسية.
- الترحيب بالموظفين الجدد ودمجهم وتعريفهم بالمنشأة أمرٌ صعب حالياً، فلا تقلل من مشقة التحاقهم بمؤسسة جديدة خلال فترة حظر التجول وبدون التمكن من الالتقاء بزملائهم الجدد وجهاً لوجه. فكّر في كيفية استنساخ عملية دمج الموظفين من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي. نظم لهم -بشكل مسبق- وقتاً مع الإدارة والموظفين المهمين وكذلك بقية زملائهم، بما في ذلك أولئك الذين لن يعملوا معهم بشكل مباشر. أعطِ وقتا إضافياً لتعريفهم بأسرار الصنعة وتطويعهم على نغمة مؤسستك وثقافتها.
التـــطــلٌّــع إلى المستقبل
- بإمكانك أن تنظر للوراء. وإذا لم تكن قد قمت بهذا مُسبقاً، فقد يكون هذا وقتاً جيداً لتقييم التغييرات التي اضطررت لعملها كنتيجة لتداعيات كوفيد-19. ما الذي يصلح بأن يكون تغييراً دائماً؟ أين هي الفجوات الإدارية التي جعلها الوباء واضحة للعيان؟
- فكر في دمج الأعمال وتوحيدها سواء كانت المبادرة من قِبلك أو من الآخرين. بإمكان هذا أن يكون ضمن عمليات جذرية في الدمج والاستحواذ أو أخرى أقل أهمية. مثلاً: هل يمكنك دمج فِرَق المبيعات -أو تحويل مبيعات الإعلانات لمتعهد خارجي -إذا لم تكن نشاطاً حرِجاً-؟ هل من الممكن مشاركة الموارد ذات التكلفة العالية (مثل المباني ووسائل الطباعة) مع أكثر من مؤسسة؟
- قد يوفر العمل عن بعد نموذجاً مستقبلياً مثالياً للبعض، ولكنه لا يناسب الجميع. قم بتقييم مواطن الضعف والقوة ضمن تجربتك من ناحية التكلفة والإنتاجية والرفاه.
- خطط لعالم ما بعد الوباء. خذ بعين الاعتبار كيف ستتغير التوجهات بحيث تتمكن شركتك من مغادرة الأزمة وهي في موضع قوة.
- لا بد وأن أفقك التنافسية قد تغيرت. لذا، قُم بإعداد تحليل شامل للسوق لتصبح مُلماً بهذا التغيير. هل من منافسين جدد؟ هل من عملاء جدد؟ هل من عادات جديدة للجمهور؟
- أحد الأنماط الملحوظة خلال هذه الأزمة هو التعاون المشترك، فذلك يسمح بالتوسع والتأثير على قدر كبير من الفاعلية. هل هنالك مشاريع أو برامج بإمكانك أنت وفريقك طرحها للتعاون؟
- استعرض الدروس المستقاة من هذه الأزمة وقم بتحديث أو إنشاء مخططك العام لإدارة الأزمات؛ فهناك شرٌّ لا بد منه: ستواجه أزمة أخرى طال المدى أم قصر.
نأمل بأن تساعدنا -جميعاً- هذه التوصيات لاجتياز هذه المرحلة نحو أوقات أفضل وحظوظ أجمل في 2021.
هارلان ماندل – المدير التنفيذي- الصندوق الاستثماري لتنمية الإعلام (MDIF).